من الضوء إلى الضوء تخرج الصورة لتصبح ملك المشاهد وله ملء الحرية في التأويل وقراءة تفاصيلها في لعبة اللون والظل وزوايا الرؤية. لكن قبل أن تولد الصورة، هناك حكاية لا يعرفها إلا المصور، بفصول متتابعة تجمعت فيها كل أفكاره ومشاعره لتصل بذروتها إلى لحظة الضغط على زر العدسة.
قد لا تحظى الصورة بإعجاب أحد، وقد لا تكون ملهمة ، وقد يتجاهلها النقاد، ويعلوها غبار الزمن… لكنها تبقي في قلب ووجدان المصور حكاية تختزل لحظات أرادها أن تبقى خالدة.
شعراء الصورة ومؤرخو اللحظة الذين يستضيفهم المهرجان الدولي للتصوير إكسبوجر من 21 إلى 24 نوفمبر 2018 في مركز إكسبو الشارقة، يكشفون للمرة الأولى ما وراء صورهم من حكايات احتلت مكانة خاصة في قلوبهم.
فيليب لي هارفي
"التصوير مهنة مشرّفة، تمنحك تجربةً لامثيل لها تطلع خلالها على أنماط حياة فريدة في مختلف أنحاء العالم.
عملت لسنوات طويلة مع شعب ماساي في كينيا، شمال أفريقيا، وكانوا في غاية اللطف، وخلال إحدى رحلات السفاري، دعيت إلى حفل زواج في قرية قريبة، وهناك رأيت العريس مزهواً ومفعماً بالحماس ومحاطاً بأصدقائه، بينما كانت العروس تقف وحيدةً تتأمل المكان بنظرة غريبة، وعندما رأتني ألتقط بعض الصور، نظرت إليّ وابتسمت. عدت بعد عامين إلى المنطقة نفسها وسألت السكان عن الزوجين، وقيل لي إنهما انتقلا إلى قرية أخرى، فذهبت والتقيت بهما وأعطيتهما بعضاً من صور زفافهما".
إيليا لوكاردي
أنفاس التنين/ معبد عش النمر، مملكة بوتان
كانت لحظة خاطفة، عندما وقفت لألتقط صورة معبد عش النمر وشعرت أن كل ما فعلته في حياتي قادني بطريقة ما إلى هذا المشهد الفريد، فأدركت أنني حتى الآن كنت أنظر إلى العالم بعيني لا بقلبي… مشهد جذبني إليه بقوة، جعلني أتسمر في مكاني مأخوذاً بروعته. خضت الكثير من التجارب خلال أسفاري، لكن هذه التجربة كانت الأكثر إلهاماً وتأثيراً.
ولكي أكون منصفاً، لم يكن معبد "عش النمر" فقط ما استحوذ على وجداني، فمنذ اللحظة التي وصلنا فيها إلى موقع بارو، في مملكة بوتا بجبال الهملايا، لمسنا حفاوة أهلها، وكان واضحاً منذ البداية أنها استحقت وبجدارة أن تكون الأرض الأكثر سعادةً في العالم. فما إن وصلت حتى بدأت روحانية هذا المكان المقدّس وتناغمه مع الطبيعة تتسرب إلى نفسي لتشعرني بالراحة والسكينة.
درو ألتدويرفر
من أصعب التحديات التي تواجه المصوّر عندما تطلب منه تقييم عمله هو تقديم رأيه بمعزل عن المشاعر والتجارب التي مر بها عند التقاط الصورة.
فالمصور وحده يعلم الجهد الذي يتطلبه التقاط صورة تجسّد لحظة محددة أو تعكس سحر المكان المحيط بها، والذي ربما كانت عدسة المصورين قاصرةً عن التقاطها من قبل.
وبالعودة إلى أعمالي السابقة، فإن الصور الأقل أو الأكثر تفضيلاً بالنسبة لي هي تلك التي التقطتها إما بمنتهى السهولة أو بمنتهى الصعوبة… صور ولدت من لقطة سريعة، أو حدث لحظي أو تطلبت مني استخدام كامل قدراتي ومهاراتي لكنها ببساطة فشلت في إرضاء المشاهدين.
التقطت هذه الصورة في القطب الجنوبي. كانت رحلة صعبة سافرنا فيها لعدة أيام وأقمنا في مساكن متفرقة ومناطق نائية… واجهنا المخاطر في البحار العاتية ومشينا لساعات طويلة ومضنية بين الثلوج وبلغنا قمماً لم تصل إليها كاميرات السياح. ففي بعض الأحيان، التقاط صورة واحدة يتطلب الكثير من العمل الشاق في ظروف جوية مواتية وأن تحمل المعدات المناسبة، عندئذ فقط يبدأ الاختبار الحقيقي في التقاط الصور الأكثر تميزاً.
ربما تصاب بشيء من الخيبة إذا لم تجد الإلهام الذي تبحث عنه سواء في اللحظة أو في الصورة التي التقطتها. وما يجعلني أحب هذه الصورة وأبغضها في الوقت نفسه هو أني أدرك أن عملي وجهدي أثمرا عن نتيجة مقبولة...ليست ملهمة، ولا شيء مؤثر فيها.. بل مجرد "مقبولة"، وعندما ننظر إلى العمل ككلّ نشعر فعلاً بمرارة الخيبة.
في المقابل كانت هناك بعض الصور التي التقطتها في اللحظة المناسبة، وكأن القدر تدخل ليمنحنا مشهدًا فريداً مخفياً في موقع عادي فنشعر بالسكينة والسلام. نادراً ما تحظى هذه الصور برضى النقاد، وربما يكون ذلك جزءاً من المشكلة التي يواجهها أي فنان عند سؤاله عن صورته المفضلة.
تظهر في الصورة منطقة خلف مجموعة من المنازل في أيسلندا. عندما رأيت المكان أول مرة شعرت أنه لسبب ما وفي ذلك اليوم وفي تلك الساعة بالذات، جئت إلى هنا لأجد فيه ما كنت أبحث عنه. وحتى اليوم، وبعد مرور عشر سنوات على التقاط هذه الصورة، ما زلت أشعر بلحظات من السكينة عندما أنظر إليها. هذا "الشيء" ليس هاماً وربما لم يحظى يوماً على اهتمام السكان، لكنه بالنسبة لي كان جوهر الرحلة بأكملها ... لم تكن تحتوي الصورة على مشهد مذهل بل مجرد هذا المبنى البسيط في وسط أيسلندا، ومع ذاك لا يمكنني أن أخفي سعادتي في كل مرة أنظر إلى تلك الصورة.
كاتارينا بريمفورس
في مساء 8 يونيو 2011، جلس أبي - وكان عمره آنذاك 64 عاماً- في المطبخ حيث كنا نعيش في منزل واحد مع أمي وزوجي وابنتي وعمرها 3 أشهر، وكنا نحضّر مائدة العشاء. فجأة بدا على والدي التعب وأخذ يتصبب عرقاً ويترنح بين أيدينا. سارعنا إلى الاتصال بأخي وعائلته التي حضرت في الحال، وخلال لحظات وصلت سيارة الإسعاف وتوجهنا إلى المستشفى ، وهناك عرفنا أنه مصاب بسكتة دماغية.. والتقطت بعض الصور، وكان أولها بعد أكثر من شهر على مرضه. خلال تدريبات التأهيل كان يلتقط صوراً لي، وأنا بدوري ألتقط صوراً له، فكانت انطلاقة مشروعي وبدأت أخلّد اللحظات التي كانت تحاول فيها والدتي مساعدته على الوقوف للمرة الأولى بينما يتراقص الأمل في عينيه شوقاً لاسترداد عافيته. تغطي هذه المجموعة فترة ثلاثة عشر شهراً من ذكرياتنا معه قبل وفاته.